فصل: إرسال الرسل إلى الملوك.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.إرسال الرسل إلى الملوك.

ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بين الحديبية ووفاته رجالا من أصحابه إلى ملوك العرب والعجم دعاة إلى الله عز وجل فبعث سليط بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود أخا بني عامر بن لؤي إلى هوذة بن علي صاحب اليمامة وبعث العلاء بن الحضرمي إلى المنذر ابن ساوى أخي بني عبد القيس صاحب البحرين وعمرو بن العاص إلى جيفر بن جلندي بن عامر بن جلندي صاحب عمان وبعث حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس صاحب الإسكندرية فأدى إليه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهدى المقوقس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع جوار منهن مارية أم إبراهيم ابنه.
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم دحية بن خليفة الكلبي إلى قيصر وهو هرقل ملك الروم فوصل إلى بصرى وبعثه صاحب بصرى إلى هرقل وكان يرى في ملاحمهم أن ملك الختان قد ظهر فقرأ الكتاب وإذا فيه: «بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم السلام على من اتبع الهدى أما بعد أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين فأن توليت فإنما عليك إثم الأريسيين» وفي رواية «إثم الأكاريين عليك تعيا بحمله» فطلب من مملكته من قوم النبي صلى الله عليه وسلم فأحضروا له من غزة وكان فيهم أبو سفيان فسأله كما وقع في الصحيح فأجابه وسلم أحواله وتفرس صحة أمره وعرض على الروم أتباعه فأبوا ونفروا فلاطفهم بالقول وأقصر ويروى عن ابن اسحق أنه عرض عليهم الجزية فأبوا فعرض عليهم أن يصالحوا بأرض سورية قالوا وهي أرض فلسطين والأردن ودمشق وحمص وما دون الدرب وما كان وراء الدرب فهو الشام فأبوا.
قال ابن اسحق: وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم شجاع بن وهب الأسدي أخا بني أسد بن خزيمة إلى الحرث بن شمر الغساني صاحب دمشق وكتب معه: «السلام على من اتبع الهدى وآمن به أدعوك إلى أن تؤمن بالله وحده لا شريك له يبقى لك ملكك» فلما قرأ الكتاب قال: من ينزع ملكي أنا سائر إليه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «باد ملكه».
قال: وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أميه الضمري إلى النجاشي في شأن جعفر بن أبي طالب وأصحابه وكتب معه كتابا: «بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى النجاشي الأصحم عظيم الحبشة سلام عليك فإني أحمد إليك الله الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن وأشهد أن عيسى بن مريم روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم الطيبة البتول الحصينة فحملت بعيسى فخلقه من روحه ونفخه كما خلق آدم بيده ونفخه وإني أدعوك إلى الله وحده لا شريك له والموالاة على طاعته تتبعني وتؤمن بالذي جاءني فإني رسول الله وقد بعثت إليك ابن عمي جعفرا ومعه نفر من المسلمين فإذا جاؤك قاقرهم ودع التجري وإني أدعوك وجنودك إلى الله فلقد بلغت ونصت فاقبلوا نصحي والسلام على من اتبع الهدى» فكتب إليه النجاشي إلى محمد رسول الله من النجاشي الأصحم ابن الحر سلام عليك يا رسول الله من الله ورحمة الله وبركاته أحمد الله الذي لا إله إلا هو الذي هدانا للإسلام أما بعد فقد بلغني كتابك يا رسول الله فما ذكرت من أمر عيسى فورب السماء والأرض ما نزيد بالرأي على ما ذكرت أنه كما قلت وقد عرفنا ما بعثت به إلينا وقد قربنا ابن عمك وأصحابه فأشهد أنك رسول الله صادقا مصدقا فقد بايعتك وبايعت ابن عمك وأسلمت لله رب العالمين وقد بعثت إليك بابني أرخا الأصحم فإني لا أملك إلا نفسي إن شئت أن آتيك فعلت يا رسول الله فإني أشهد أن الذي تقول حق والسلام عليك يا رسول الله فذكر أنه بعث ابنه في ستين من الحبشة في سيفنة فغرقت بهم وقد جاء أنه أرسل إلى النجاشي ليزوجه أم حبيبة وبعث إليها بالخطبة جاريته فأعطتها أوضاحا وفتخا ووكلت خالد بن سعيد بن العاص فزوجها ودفع النجاشي إلى خالد بن سعيد أربعمائة دينار لصداقها وجاءت إليها بها الجارية فأعطتها منها خمسين مثقالا فردت الجارية ذلك بأمر النجاشي وكانت الجارية صاحبة دهنه وثيابه وبعث إليها نساء النجاشي بما عندهن من عود وعنبر وأركبها في سفينتين مع بقية المهاجرين فلقوا النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر وبلغ أبا سفيان تزويج أم حبيبة منه فقال: ذلك الفحل الذي لا يقدع أنفه.
وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه السنة إلى كسرى وبعث بالكتاب عبد الله بن حذافة السهمي وفيه: «بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسله أما بعد فإني رسول الله إلى الناس كافة لينذر من كان حيا أسلم تسلم فإن أبيت فعليك إثم المجوس» فمزق كسرى كتاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «مزق الله ملكه» وفي رواية ابن إسحق بعد قوله «وآمن بالله ورسله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأدعوك بدعاية الله فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين فإن أبيت فإثم الأريسيين عليك» قال فلما قرأه مزقه وقال يكتب إلي هذا وهو عبدي! قال: ثم كتب كسرى إلى باذان وهو عامله على اليمن أن ابعث إلى هذا الرجل الذي بالحجاز رجلين من عندك جلدين فليأتياني به فبعث باذان قهرمانه بانويه وكان حاسبا كاتبا بكتاب فارس ومعه خر خسرة من الفرس وكتب إليه معهما أن ينصرف إلى كسرى وقال لقهرمانه: اختبر الرجل وعرفني بأمره وأول ما قدما الطائف سألا عنه فقيل هو بالمدينة وفرح من سمع بذلك من قريش وكانوا بالطائف وقالوا قطب له كسرى وقد كفيتموه وقدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فلكلمه بانويه وقال: إن شاهنشاه قد كتب إلى الملك باذان أن يبعث إليك من يأتيه بك وبعثني لتنطلق معي ويكتب معه فينفعك وإن أبيت فهو من علمت ويهلك قومك ويخرب بلادك وكانا قد حلقا لحاهما وأعفيا شواربهما فنهاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقالا: أمرنا به ربنا يعنون به كسرى فقال لهما: «لكن ربي أمرني بإعفاء لحيتي وقص شاربي لم أؤخرهما إلى غد» وجاءه الوحي بأن الله سلط على كسرى ابنه شيرويه فقتله ليلة كذا من شهر كذا لعشر مضين من جمادى الأولى سنة سبع فدعاهما وأخبرهما فقالا: هل تدري ما تقول؟ يحزنانه عاقبة هذا القول فقال اذهبا وأخبراه بذلك عني وقولا له إن ديني وسلطاني يبلغ ما بلغ ملك كسرى وإن أسلمت أعطيتك ما تحت يدك وملكتك على قومك من الأنباء وأعطى خرخسرة منطقة فيها ذهب وفضة كان بعض الملوك أهداها له فما على باذان وأخبراه فقال ما هذا كلام ملك ما أرى الرجل إلا نبيا كما يقول ونحن نتظر مقالته فلم ينشب باذان أن قدم عليه كتاب شيرويه: أما بعد فإني قتلت كسرى ولم أقتله إلا غضبا لفارس لما كان استحل من قتل أشرافهم وتسخيرهم في ثغورهم فإذا جاءك كتابي هذا فخذلي الطاعة ممن قبلك وأنظر الرجل الذي كان كسرى كتب فيه إليك فلا تهجه حتى يأتيك أمري فيه فلما بلغ باذان الكتاب وأسلمت الأبناء معه من فارس ممن كان منهم باليمن وكانت حمير تسمى خرخسرة ذا المفخرة للمنطقة التي أعطاه إياها النبي صلى الله عليه وسلم والمنطقة بلسانهم المفخرة وقد كان بانويه قال لباذان ما كلمت رجلا قط أهيب عندي منه فقال: هل معه شرط؟ قال: لا قال الواقدي وكتب إلى المقوقس عظيم القبط يدعوه إلى الإسلام فلم يسلم.